"أخيرًا وصلتُ إليها، هي مطلبي الأول، وهدفي النهائي من كل رحلتي المضنية، وتخطيطي منذ سنين، رأيتها كتابوت ضخم تغطيه ظلالٌ قاتمة، لكن كان هنالك من الخيال سرابٌ يعطيها فتنة مميزة، وسحرًا خاصًا" هذا ما قاله المستشرق بيرتون واصفًا ما رأت عيناه، مستشعرًا عظمـة المشهد المُهيب، متنكرًا بهيئة حاجٍ؛ بُغية الاستكشاف؛ وأخذِ عينة من الحجر الأسود الذي ظنوا أنه قطعة من البازلت جرفتها السيول؛ وألقـت بها في مكة، ولكن تبين لهم عكس ما ظنوا، وثبت لهـم أنه حجرٌ من السماء، لطالما كـان محط نظر العالم، ومصدر فضولٍ بالنسبة لهم، أما بالنسبة للمسلمين فكـان إيمانًا بأنه حجرٌ من الجنَّة، وشرفٌ عظيمٌ ميزنا الله به.

حجرٌ مضيء لكن الله عز وجل طمس نوره لحكمةٍ إلهية، وليحرم الكفرة من لذة رؤية نعيمٍ من الجنة، ويكون إيمان المؤمن وتصديقه حقًا، فكما قال البجيرمي رحمه الله في طمس نور الحجر والمقام: "وإنما أذهب الله نورهما؛ ليكون إيمان الناس بكونهما إيمانًا بالغيب، ولو لم يطمس لكان الإيمان بهما إيمانًا بالمشاهدة، والإيمان الموجب للثواب هو الإيمان بالغيب".
حجرٌ أبيضٌ ومن شؤم الذنوب اسودّ؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نزلَ الحجرُ الأسوَدُ منَ الجنَّةِ وَهوَ أشدُّ بياضًا منَ اللَّبنِ فسَوَّدَتهُ خطايا بَني آدمَ"(1)، ولنا أن نعلم مدى شناعة الخطيئة وتأثيرها، فكيف بقلوب البشر؟!

ياقوتةٌ من يواقيت الجنة، شرفٌ عظيمٌ احتضنته بكة، فحُق لها أن تتبـاهى بما اخُتصت به، وحُق للمؤمن أن يسعد بنعيمٍ من الجنة، وأن يستمتع به، وله أن يعلم أن مسحه كفارةٌ للخطايا؛ كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مسحَ الرُّكنِ اليمانيَّ، والرُّكنِ الأَسوَدِ يحُطُّ الخطايا حطًّا "(2).
"وقبِّل حجرًا مكرَّمًا نزل من الجنة، وضع فمك لاثمًا مكانًا قبَّله سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فهنأك الله بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخر" هذا ما قاله الذهبي رحمة الله عليه في تقبيل الحجر الأسود، وإن في ذلك لشرفٌ عظيمٌ حبانا الله به، فلنا أن نستشعر بقلبٍ مؤمنٍ وموقنٍ حقًا! عن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ"(3).

قال المؤرخ محمد طاهر الكردي "والذي يظهر من الحجر الأسود في زماننا - منتصف القرن الرابع عشر الهجري – ونستلم ونقبِّله ثماني قطع صغار مختلفة الحجم، أكبرها بقدر التمرة الواحدة، كانت قد تساقطت منه حين الاعتداءات عليه من بعد الجهَّال والمعتدين في الأزمان السابقة"، فقد حفظه الله برغم الحوادث التي أثرت به، ومن أشهرها حادثة القرامطة الذين أسرفوا ببيت الله الحرام، وعاثوا فيه فسادًا، وسرقوا الحجر الأسود بضعًا وعشرين سنة، وخابوا كما خاب أبرهة من قبلهم.

هل نحن مستشعرون لعظمته؟ قد يُسرد على مسامعنا، وقد تجول أنظارنا بأسطرٍ حوت كل ذلك، وقد نعلم كثيرًا، ولكن هل نعي؟ هل ندرك أنه سيرجع من حيث أتى يومًا ما؟ كما قال صلى الله عليه وسلم: "نزل جبريلُ - عليه السلام - بالحَجَر من الجنة، فوَضَعه حيث رأيتم، وإنكم لن تزالوا بخير ما بقي بين ظهرانيكم، فاستمتعوا منه ما استطعتم، فإنه يوشك أنْ يَجِيءَ فيرجع به مِنْ حيث جاء"(4)، فطوبى لمن استلمه بقلبٍ صادق، وأدركه قبل رُجوعِه.

  1. رواه الترمذي (3/226)، ح(877)، وقال: "حسن صحيح"؛ وابن خزيمة في "صحيحه" (4/219)، ح(2797)؛ وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/451)، ح(877)
  2. رواه عبد بن حميد في "مسند" ص(263)؛ والترمذي عبد بن حميد في "مسند" ص(263)؛ والترمذي (3/292)، ح(959)؛ وأبو يعلى في "مسنده" (10/52)، ح(5687)، والحاكم في "المستدرك" (1/664)، ح(1799)، وقال: "حديث صحيح، ولم يخرجاه"؛ والمنذري في "الترغيب والترهيب" (122/2)، ح(1756)؛ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (1/491)، ح(959).
  3. رواه الترمذي (3/294)، ح(961) وحسنه؛ والمنذري في " الترغيب والترهيب" (2/124)، ح(1767)؛ وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/493)، ح(961).
  4. رواه الأزرقي في "أخبار مكة" (1/63، 64)، رقم (325)؛ والفاكهي في "أخبار مكة" (1/91)، رقم (25) واللفظ له، وإسناده حسن.

المراجــع:
- الدوسري، محمود أحمد (1434)، الطبعة الأولى. الكعبة المشرفة. الدمام: دار ابن الجوزي.
- بكداش، سائد (1416)، الطبعة الأولى. فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام. بيروت: دار البشائر الإسلامية.

أريج شامي السيد عضوة الفريق الرقمي بالقسم النسائي "هاجر"

مع ولادة التاريخ الهجري، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على أطراف مكة، ينظر إلى موطنه الذي أقل خطواته الأولى، الأرض التي رسمت بين شعابها معالم دعوته، ومهبط رسالته، والغار الذي كان يأوي إليه ليتفكر في آلاء المنان بعيدًا عن عبدة الأوثان، ينظر بنظرات الحسرة إلى الأرض التي ارتكزت الكعبة المشرفة قلبًا لها، التي يفيء إلى ظلها ليلتصق جبينه دونها متصلا بالله تعالى متجاهلا السباب والأذى من قومه، ثلاث عشرة سنة من الدعوة المكية يطويها بقلب متفطر ويقول: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"
تطوى السنوات ليأتي العام الثامن من الهجرة ويحبس التاريخ أنفاسه في مشهد يجلي من ضروب النصر أسماها ومن معاني الفرحة أجلها وأنداها، بعد أن أخرج منها صلى الله عليه وسلم مطاردًا متخفيًا يخشى القتل، يعود بتأييد العزيز العظيم، وفتح الحكيم الكريم، لتقر عيناه بموطنه وأحب أرض إلى الله، ويهنأ بنعمة الله التي لم تأتِ فرادى، بل صاحبها النصر والفتح والأمن، وضم مكة كلها إلى الدولة الإسلامية، ليدخل إلى المسجد الحرام في موكب عظيم مستشعرًا فضل الله، خاشعًا منحنيًا على راحلته، معلنًا شكره لله وافتقاره إليه، ابتعد صلى الله عليه وسلم عن البيت العتيق لسنوات ثم دخله مكرّمًا يرفل في النعماء، وقد تبدلت سنين الصبر إلى أنعم مشهودة ومكارم محمودة.
وها نحن اليوم زمرة من أمته، بقلوب تقفو خطاه، وأرواح تهتدي بهديه، تعصف بنا الدنيا وتموج بنا الفتن، تضيق بنا كل الأراضي لنأتي إلى الكعبة المشرفة فتتسع أرواحنا بالزحام حولها، وفي السعي بين الصفا والمروة تطمئن، وتروى بماء زمزم، تضطرب قلوبنا في الدروب لتهدأ خلف المقام، وتتفطر أفئدتنا لأمنية فتجاب في دعوة عند الحجر الأسود، لم تهدأ حركة الطواف لا ليلًا ولا نهارًا ولا صيفًا ولا شتاء، يعتكف المئات داخل أروقة المسجد، وآلاف المشاهد تأسر الفؤاد لركعٍ أو ساجد أو داع، وقد أمنت أرواحنا وضمنت الجوار، نمر دون المسجد الحرام في اليوم عدة مرّات ولا يفصلنا من الولوج إليه إلا مشيئة الله ثم رغبتنا في ذلك، حتى شاء الله أن يبتلينا بالبعد عنه فغزا الوباء العالم، وأغلقت أبواب المسجد الحرام على إثره لتدابيرٍ وقائيّة، سبعة أشهر لكنّها في ميزان المشتاقين أعوامٌ من الحرمان، يترقّبون على جمرِ الانتظار، ويتحيّنون البشائر والأخبار، هم أولاء الذين جاوروا مكة أو من استطاعوا أن يأتوا إليها ويسرت لهم الأسباب، فكيف بمن تعسّر السبيل بهم وحالت الظروف دونهم فلم يروا الكعبة قط ..

"وما صبابةُ مشتاقٍ على أملٍ.. من اللقاءِ كمشتاقٍ بلا أملِ"

على أملٍ مرّت هذه الأشهر لتشعل الشوق في قلوبنا، لتنهض العزم في أرواحنا، إذ استشعرنا حرارة الفقد وازدادت رغبة الوصال، سبعة أشهر ما قبّل الحجر الأسود أحد، ولا اكتظ المطاف بالعمّار، ولا انتعشت أروقة الحرم بركض الأطفال، ولا رددت أركانه تلاوات الحفّاظِ في الحلقات، سبعة أشهر وأرض الحرم الباردة ما لامستها أقدام الساعين الدافئة، وأدمع الذاكرين التائقة، إلا من ثلة حجاج اختصهم الله برحمته في مشهد مهيب.

على أملٍ اصطفّ ركب العمّار الأوّل بالبُشرى مع مطلع فجرٍ يشبه يوم العيد في بهائه وجلاله ولسان حالهم:
"قد يهون العمر إلا ساعةً..وتضيقُ الأرضُ إلا موضعا"
أبواب المسجد الحرام وحمائمُه ومآذنه وأرضه لو نطقت لرحّبت بضيوف الرحمن، والكون كله يشهد ملامح الإياب والبِشر في وجوههم، في فرحة غامرة تأخذ بأصحابها في عالمٍ من نُور وحبور، وشكر لربٍّ كريمٍ غفور
نعودُ خاشعين في تذلل لله وافتقارٍ لفضله ورحمته، يملؤنا التعظيم لجلاله وآلائه
لينعم علينا باستشعارٍ أكبرٍ للنعمة وتذكّرٍ للفضل والمنّة، فالحمدلله ما سار لبيته الملبّون
والحمدلله ما طاف حول كعبته الطائفون، سهّل الله للمشتاقِ سبيله، وتقبّل من المعتمرِ سعيه، وأجزل الأجر والثواب لكل من سخره الله لخدمة بيته، وأدام على المطافِ أصوات الداعين وخطى الشاكرين، وأوزعنا شكر نعمه واستذكارها بما يرضى به عنَّا، وأدام مكّة معلمًا للأمنِ والسكينة، وموطنًا للإيمانِ والطمأنينة.

بتول عياض السلمي عضوة الفريق الرقمي بالقسم النسائي "هاجر "

قاعة مكة الكبرى تحتضن الحفل الختامي لبرنامج هاجر النسائي بمشروع تعظيم البلد الحرام، بحضور سيدات المجتمع النسائي بمكة المكرمة

صحيفة مكه والعالم
منصور نظام الدين
نوال مسلم :مكة المكرمة

إحتفل (برنامج هاجر) بمشروع تعظيم البلد الحرام بإقامة (الحفل التكريمي لملتقى روح التطوع الأول) بقاعة مكة الكبرى على شرف عميدة الدراسات الجامعية الدكتورة
/هالة بنت سعيد العمودي وبحضور مديرة الإشراف التربوي الأستاذة/لمياء بشاوري،وعدد من وكيلات العمادات، وكوكبة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة
أم القرى،ومنسوبات التعليم
بمكة المكرمة، وحضور
(٤٩ )فريق تطوعي،
وقد أثنت الدكتورة/هالة بنت سعيد العمودي على المبادرات المتميزة التي قُدمت في المسابقة ،وأكدت على إستمرارية التعاون المشترك بين التعليم العالي، (وبرنامج هاجر) وعن فخرها بهذه الشراكة لمالها من رسالة هادفة ،وجهود مستمرة لخدمة مكة المكرمة.
وتحدث " الدكتور/طلال أبو النور"عن قضية التعظيم ،وأن مكة ميدان واسع للعطاء، وعلى من أتته فرصة خدمتها وألا تتوانى عن ذلك،
وأشاد الدكتور /طلال:
بالإنجازات التي حققتها الفرق التطوعية من خلال مبادراتهم الهادفة، وأعرب عن
شكره لعميدة الدراسات الجامعية الدكتورة /هالة العامودي لرعايتها للحفل والمستمرة لفعاليات
( برنامج هاجر) ،كما أثنى على جهود مساعد المدير العام للتعليم الدكتورة/ آمنه الغامدي ،وإدارة التوعية في تفعيل :(حقيبة احب مكة) وبرامج:( مشروع تعظيم البلد الحرام) وشكر القيادات لعطائهم المتواصل في تبني قضية التعظيم
* وشاركت عمادة البحث العلمي ممثلة في مبادرة عطاء حيث تم التعريف بالمبادرة من قبل وكيلة عمادة البحث العلمي للجودة والتطوير الدكتورة/هنادي بحيري
وقائدة مبادرة عطاء للتطوع البحثي وأبحاث التطوع
الدكتورة /سمية بنت عزت شرف ،كما تم التذكير بفكرة الملتقى،وأهدافه، وأبرز نقاط التقييم، من قبل مشرفة ملتقى روح التطوع
"الدكتورة/إبتسام عبد القادر أستنبولي"
وأبتدأ التكريم بتتويج فريق(أنا صحي ) الفائز بالمركز الأول في مسابقة روح التطوع بجائزة قدرها (10000)ريال، وبعده في المركز الثاني فريق التألق بجائزة قدرها (7000)ريال والمركز الثالث فريق إحتواء بجائزة قدرها (5000)ريال
وقدمت الفرق المشاركة نبذة عن فكرة المبادرة، وأهم أهدافها ،وكيف تم تنفيذها على أرض الواقع، عبر أركان تعريفية في صالة الإستقبال
الجدير بالذكر أن المسابقة شارك فيها (10 )فرق حاكت قيم تعظيم البلد الحرام من منطلق تخصصها لإستشعار خصائص البلد الحرام
"محرم، طاهر، أمن "والتأكيد على أن التعظيم نمط الحياة
،وقد بلغ عدد المستفيدات (٦٨٨٥٨ )مستفيدة وفي مواقع التواصل( ٣٢٦٢١٩) مستفيد ومستفيدة ،وتم تكريم العضوات الفاعلات وشركاء النجاح لبرنامج هاجر و( 62) جهة شريكة للفرق التطوعية ساهمت في إنجاح الملتقى بدروع تحمل شعار " روح التطوع "
كماشهد الحفل تكريم مساعد المدير العام للتعليم الدكتورة/
أمنه الغامدي ،ومديرة إدارة التوعية الأستاذة/مها قماش ومديرات مكاتب التعليم، ومشرفات التوعية الإسلامية، و (100)قائدة مدرسة، ومشرفات المصليات ،بدروع تحمل شعار ( أحب مكة )
وقد تنوع تفعيل المدارس بين إقامة المعارض، والمشاركة في المبادرات التطوعية، وتنفيذ الآداب الأسبوعية، والإذاعات الصباحية، والأنشطة، والمسابقات العامة لإستشعار شرف العلم في بقعة مختارة، وبلغ عدد المستفيدات منها (١١٠٢٢٥) مستفيدة ،وأبدت مديرة إدارة التوعية الإسلامية الأستاذة/
مها بنت محمد قماش إمتنانها لمشروع التعظيم لما لمسته من أثر إيجابي على المدارس المفعلة لحقيبة أحب مكة
وأعربت مديرة برنامج هاجر
الأستاذة/منال بنت عبد الله الجابري عن: شكرها للحضور الكريم، وذكرت أن العمل لأجل مكة فخر وعزة ورفعة لمن حباه الله شرف تعظيم هذا البلد المبارك.
وحظي الحفل برعاية من قاعة مكة الكبرى، وشركة وادي مكة، ومعرض اليوم المميز، واللؤلؤة للخدمات الفندقية، وشركة توطيد لإنتاج الكتب .

من أنت؟ ولمن تنتمي؟ وما هي خريطتُكَ في هذا العالمِ وكيف تشكّلت؟ ما لون الدماء التي صُبَّتْ في عروقك حتى كوّنتَ هذه الهوية
من المعتقدات والانتماءات، وما هو التاريخ التليد الذي تفخرُ أنّكَ لهُ تَبَع، والنّسب المجيد الذي أنت منهُ فرع؟
من هم الذين تطربُ عند سماعِ سيرِهِم، وتجد في قلبك موضعًا يعتنقُ ما رُويَ عنهم، ويرفُّ فؤادك شوقًا لهم، وقد عُقدت بينك وبينهم علائقٌ وثيقة فحالت دونكمُ السنين الغابرة، تقلّب صفحات التاريخ، وتجول عيناك في سطورِه تنقب عن عظماءَ تتعطشُ روحك لآثارهم فتستلذ البحث عنهم، كما كان يبحث العرب عن مواطن ماء السماء ليرتووا بما فيه حاجة دنياهم، تبحث أنت عن مناقب قوم لترتوي بما فيه حاجة دنياك وآخرتك، في دائرة الإسلام الواسعة تقف بعزّة وشموخ وأنت ترى كيف أُحكمت شرائعه وتُممت محاسنه، فلا تكاد تنفرج في خلَدكَ فرجةَ شكٍّ إلا باليقين سدها، ولا مواطن خير هفت لها فطرتك إلا وبالدليلِ أقرّها، ولا طرائقَ شرٍّ إلا وبالبيان أبطلها، وتلحظ في نفسك وجيدة ملحّة بالتعرف على من منحهم الله رفع راية دينه والدعوة إليه؛ لتقتدي بهم وتستنير في زمن الظلام بأنوارِهم

ليتجلى لك أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- وقد جمع ما يتفرق من الخير بين أمة كاملة، فكان أمةً بمفرده، وإمامًا للخلائق بتوحيده
خلّد الله سيرته في القرآن الكريم في أكثر من ستين موضعًا، حارب الشرك في شبابه واشتد ساعده في إزالة مظاهره، واعتزل عشيرته وأهله وأباه دفاعًا عن حمى التوحيد ومضيًّا في سبيل الدعوة إليه، حتى تزوج سارة -عليها السلام- وصار في عمرٍ يرجو فيه الولد
يعينه في آخر سِنه وتقر بصلاحه عينه، فلم يرزقه الله بولد حتى تزوج هاجرَ -عليها السلام- فأتت بإسماعيل -عليه السلام- ثم ابتدأت
قصة من فصولٍ هاجريّة آسرة، وتدبيرٍ ربانيٍّ حكيم، يأمر الله عز وجل نبيه إبراهيم أن يهاجر من بلاد مصر إلى الشام ثم إلى مكّة
من نهر النيل الجاري وحدائق فلسطين وأفنانها إلى واد قفرٍ غير ذي زرع خالٍ من كل المغريات الدنيويّة، بل مجدب لا مظاهر للحياة فيه، بزوجته هاجر وطفله الرضيع إسماعيل، في أسمى مشهد للتصديق والتضحية تسير أمّنا هاجر معه يحدوها اليقين ويحث خطاها التسليم، حتى استوطنوا وادي مكة قرب قواعد البيت العتيق فأنزل إبراهيم عليه السلام زوجته وابنه، وجعل معهم جرابّا فيه تمر وسِقاءً فيه ماء، ثم همّ بالرحيل، فتبعته هاجر تسأله وتكرر عليه: أتتركنا في أرض قفر ليس بها إنسٌ وليس بها ماء؟

وإبراهيم -عليه السلام- ماضٍ في طريقه لا يجيبها، حتى فطنت له وقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يضيّعنا.
فانطلق إبراهيم حتى بلغ الثنية حيث لا يرونه، ودعا بدعواتٍ لا تزال ثمار إجابتها سحّاء على هذه الأرض وأهلها حتى هذه الساعة.
ثم تبرز هاجر-عليها السلام- من هامة التاريخ أنموذجًا في دائرة الإنسانية والإسلام والعرب التي تحيط بك وتشكّل معالمك
يشتد بها البلاء، ويشَقّ صمتَ المكان صوتُ طفلها الباكي وتردد الجبالُ صداه، الماء ينفد والجوع يطوي الصغير
ولا شيء في المكان يستدعي الأمل، والهواء الحار يطير بالرمال ويحجب البصر، والخواء سيّد المَشهد..

وعلى رغم كل هذا فلم يجد اليأس عند أمنا هاجر موضع قدم، ولم يكن يقينها تواكلًا بل توكّلًا يتطلّب السعي الحثيث مع تمام الثقة بالله وتفويض الأمر له، سعت -عليها السلام- سعي الإنسان المجهود بين جبلين تصعد على أحدهما تنظر منه لما حولها، ثم تهرول للآخر حتى ترقى على أعلاه علها تجد من يغيثها، فعلت ذلك سبع مرات وطفلها يطويه العطش وهي يطويها اليقين بالله ويستحثها الصدق مع الله، وكأن المكان كله بكُلّ ما فيه يترقّبُ معها البُشرى العاجِلة!

حتى جاءَ أمر الله تعالى وشَهِد الكون بأسرِه لَحظةَ تفجّر الماء من بين حِجارة صمّاء، لحظةَ تجلّي الوعد الرّباني، لحظةَ التسليم الجليل لهذه الأُم لربِّ هذه الأرض، فدبّت الحياة في المكان وهفت إليه الأفئدة، وحينما كان البلاء عظيمًا على هاجر، والصبر عتادها والتّسليم دأبها، جاء الجزاء عظيمًا محسوسًا في زمزم، ثم معنويا مطمئنًا ببشرى الملك المرسل لها بعد أن شق ماء زمزم:

لا تخافوا الضياع، إن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله.
ثم مرّ زمانٌ كبر فيه إسماعيل ورأى فيه إبراهيم ثمرة فؤاده وقرارة عينه وبكره ووحيده الذي كبر بعيدًا عن أحضانه، فيأمره الله ابتلاءً له أن يذبحه، لا أن يرميه من شاهق أو يأمر من يقتله أو ينفيه أو يبعده بعد أن التم شمله به، بل يباشر ذبحه بيديه، فسأل إبراهيم ابنه كيف ترى هذا الأمر؟ يرد إسماعيل بذات التسليم الهاجري ويقول: "افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله صابرا"، يتكرر المشهد والتسليم لأمر الله والتوكل عليه حين عبّر بقوله: "إن شاء الله"، والصبر في سبيل الله فرعًا عن أصل "ذرية بعضها من بعض" لنعلم معنى أن تصنع الأم أمّة، وأن ما تزرعه الأم يورق طال الأمد أو قصر، إسماعيل عليه السلام أبو العرب من المدرسة الهاجرية التي سطرت معنى التسليم لله والانقياد لأمره والاستجابة الخالصة لتدبيره حتى ساقهم الله أسبابًا يكون بهم إعمار بيته تهيئةً لأن يبعث خير الرسل صلى الله عليه وسلم. فكان لهاجر السبق في تكوين الصورة السامية لنساء المسلمين في تسليمها لأوامر الله وصبرها في سبيله وتربية ابنها على هذا المنهج، ولها السبق في رحاب مكة وأروقة الحرم فكانت أول من شرب من زمزم، وأول من سكن الحرم، وأول من سعى بين الصفا والمروة، ومن حبرت أقلام الصحابة نقلًا للأمة الإسلامية في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فذلك سعي الناس بينهما". جميع المسلمين يقتفون سعي هاجر، السعي الذي جعله الله شعيرة يعمل بها إلى قيام الساعة، وقال عنها أبو هريرة رضي الله عنه: "تلك أمكم يا بني ماء السماء"، أي أمُّ العرب؛ لأنهم كانوا يتتبّعون مواقع ماء السماء لُقِّبوا بذلك. فلْتهنأ بهذه الانتماءات التي تحيط بك ولتنظر لروادها، ورموزها ولتعقد العزم للبذل على خطى أمك هاجر عليها السلام، فمن حيزت لها أسبقية سكنى الحرم وخلّدت مآثرَ تجتبى، وشعائرَ تُرى، حقيقُ أن تُجلّى سيرتها لتُقتدى، وتشيّد مدرستها لكل من سعى.

بتول عياض السلمي عضوة الفريق الرقمي بالقسم النسائي "هاجر "

أقيم الحفل الختامي لحملة جامعتي قطعة من أرض الحرم في عامها السادس والتي حملت شعار ( مكة عهد ومثابة ) بقاعة الجوهرة في جامعة أم القرى بالزاهر يوم الأحد الموافق ١٦ / ٦ / ١٤٣٩ هـ في تمام الساعة العاشرة صباحاً.
وقد افتتحت معرض ميدان خطى الأوفياء والذي يحمل نتاج وحصاد جميع الكليات المشاركة في حملة جامعتي قطعة من أرض الحرم ٦ ( مكة عهد ومثابة )
وكيلة عميدة الدراسات الجامعية الدكتورة فريدة الغامدي، نيابة عن سعادة الدكتورة هالة بنت سعيد العمودي عميدة الدراسات الجامعية، وسعادة الدكتورة خلود أبو النجا وكيلة عمادة شؤون الطلاب للأنشطة والتدريب الطلابي، بصحبة مديرة برنامج هاجر بمشروع تعظيم البلد الحرام الأستاذة منال الجابري، ووكيلات الكليات والأقسام ونخبةً متميزة من أعضاء هيئة التدريس.
بعد ذلك ابتدأت الفقرات المسرحية مع برنامج هاجر وفقرة بعنوان (تعظيم الله عزوجل طريقنا لتعظيم الشعائر)، تلى ذلك كلمة وكيلة عمادة الدراسات الجامعية الدكتورة فريدة الغامدي ذكرت فيها:
كيف نكون قدوة للعالمين بسلوكياتنا وتعاملاتنا لنعكس صورةً حسنة عن منسوبات وطالبات أم القرى، كما تقدمت بالشكر الجزيل لكل الجهود المشاركة والاسهامات القديرة.
تلتها وكيلة عمادة شؤون الطلاب للأنشطة والتدريب الطلابي الدكتورة خلود أبو النجا متحدثة في كلمتها عن السعي لاستمرار حملة جامعتي قطعة من أرض الحرم عبر المحاضرات الدراسية أو عبر الأنشطة والفعاليات المقامة ليكون تعظيم البلد الحرام هدف يسعى لتحقيقه الجميع، ثم كانت كلمة وكيلة المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتورة إيمان مغربي بعنوان (كلمات في وداع البرنامج) قالت فيها: “أننا على العهد سائرون وللبيت الحرام معظمون محبون منتمون، وهذا العهد من هنا كان وهنا أُخذ وهذه اللفتة من مشروع تعظيم البلد الحرام لخدمة أشرف بقعة والوفاء بعهد الله فيها وهم ينادون انتبهي يابنة مكة فأنت في البلد الحرام”.
بعد ذلك تحدثت مديرة برنامج هاجر الأستاذة منال الجابري عن لمسة وفاء ولمسة حب في بلد العطاء تهديها لعميدة الدراسات الجامعية الدكتورة هالة العمودي التي احتضنت المسرد التاريخي ومعرض مكة العهد.
كما تم تكريم وكيلة عمادة شؤون الطلاب للأنشطة والتدريب الطلابي الدكتورة خلود أبو النجا، ووكيلة عميدة الدراسات الجامعية الدكتورة فريدة الغامدي، ووكيلة عمادة الدراسات الجامعية للشؤون التعليمية والتطوير أ. د. شيخة عاشور، ووكيلة عمادة شؤون الطلاب الدكتورة منى حجي، ووكيلة عمادة شؤون الطلاب للتوجيه والإرشاد الدكتورة آمال سندي، ووكيلة العمادة للخدمات الطلابية الدكتورة لولوة الحارثي، بعد ذلك تم تكريم جميع الكليات المشاركة في ميدان خطى الأوفياء فالجميع أحرز تميزاً وإبداعاً في جانب من جوانب الحملة وتألق في حمل شعلة النجاح كلٌ من باب تخصصه ومجاله وربطاً مميزاً بشعار الحملة ( مكة عهد ومثابة )
كليات أبدعت في التنظيم وروعة المكان وجمال التفاصيل:
١/ كلية العلوم الاجتماعية
٢/ كلية الشريعة
٣/ فرع عمادة الدراسات الجامعية بالعزيزية
كليات تعددت المخرجات وشاركت في أغلب الفعاليات حضوراً وتفاعلاً:
١/ كلية الدعوة وأصول الدين
٢/ كلية التربية
٣/ كلية العلوم التطبيقية
تفردت بمعلومات بحثية وأوراق عمل ثرية :
١/ عمادة البحث العلمي
٢/ كلية الطب والصيدلة
‫*كليات أضافت لمسات متخصصة وتفاعلٌ حيوي:‬
١/ فرع عمادة الدراسات الجامعية بشارع منصور
٢/ المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كليات احتوت فعالياتهم على جميع التفاصيل معنىً وإخراجاً وأداءً وتنظيماً وتفاعلاً:
نال المركز الأول فرع عمادة الدراسات الجامعية بريع ذاخر، ونال المركز الثاني معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وتقلد المركز الثالث كلية الحاسب ونظم المعلومات،
اجمع الجميع أن كل الكليات تستحق الشكر والثناء فالكل كرّس جهوده لخدمة مكة فلهم كل العرفان الجميل.
هذا وأسدل الستار على فعاليات حملة جامعتي قطعة من أرض الحرم في عامها السادس، وكان شعار جميع المشاركات، كلنا رجاء أن يتقبل الله القول والعمل فالكل بذل والكل أعطى والكل سار في ميدان خطى الأوفياء ..
ولم ولن ينتهي العطاء لأجل مكة، ففي كل ميدان للأوفياء بصمة.