تلك الجموع الغفيرة التي لبّت النداء باستجابةٍ فطريـة، قاصدةً أرضًا جعلها الله مهوى الأفئدة؛ وخير البلاد وأطهرها وأجلّها، يتوافدون في كل عام ثائبين بأفئدةٍ مِلؤها الاشتياق، وأنفسٍ أضنتها الحياة، وأعينٍ فاضت بالدمع، وألسنةٍ لهجت ملبيةً ذاكرة، وأكفٍّ رُفعت داعيةً راجية، مستجيبين لنداءٍ واحدٍ لربٍ واحد، نداء أسمعه الله كل من في الأرض أجمع، حتى النطف في الأصلاب والأرحام، نداء سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث أمره الله تعالى كما قال في كتابه العظيم: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

في كل عامٍ نرى الطرق المكتسية بالبياض، وإقبال المسلمين من كل أصقاع الأرض إلى هذه البقعة المباركة، وبين المشاعر المقدسة، محتشدين في مكانٍ واحد، ومتشحين برداءٍ واحد، لا فرق بينهم ولا تمييز، ذاك المشهد الجليل الذي يراه كل من أنعم الله عليه ببلوغه، ويُبثّ عبر الشاشات؛ حاملاً عبرات الحجاج وحبورهم؛ لتصل لكافة المسلمين، ونعلم أن هذه الشعيرة قائمة، وأن هذا البلد مثابةٌ في كل حين.

وفي الآونة الأخيرة وبرغم اجتياح الوباء العالم بأسره، انتفضت الحياة على إثره وتغير مجراها، وأُوصدت الأبواب؛ حفاظًا على الأرواح، إلا أنه ما زال المسلمون يتهافتون ويبذلون ما بشق الأنفس؛ لتُضم أسماؤهم لثلة مكتسي البياض وذوي الحظّ العظيم، وقد لا يحالفهم الحظّ للحاق بالركب، فتصيبهم حسرة، وتأتي هذه الآية لتهدئ ما بأنفسهم، حيث قال الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، {من اسْتَطَاعَ} وكأنما في ذلك تسكين لنفسٍ أُضرمت شوقًا، وروحٍ تاقت حُبًا، وأيدٍ قبضت وبذلت ما تستطيع، ولكن مشيئة الله عز وجل فوق كل ذلك، فمن حباه الله البلوغ فقد بلغ، ومن لم يبلغ فبنيته يكون قد بلغ، وقد جعل الله عز وجل في ذلك أُنسًا وحياة، وطمـأنينة تطوق أفئدة غُرس بها حُب فطري لبلاد الطُهر، وندعو الله أن تُجلى الغمامـة وتعود الحياة لمجراها، ونرى الملايين يتوافدون إلى رحب المشاعر.

أريج شامي السيد عضوة الفريق الرقمي بالقسم النسائي "هاجر"

صفحة التسجيل